yes-oil-price-will-reach-100-us-dollars

رائد العبيدي



مع صعود سعر برميل النفط بشكل مستمر خلال الفترة الأخيرة والتوقعات المختلفة حول نهاية هذا الصعود ، متى وكيف سيتوقف ارتفاع سعر النفط ، وهل من الممكن أن يتجاوز حاجز ال100 دولار للبرميل الواحد؟ ما هي اسباب هذا الصعود وكيف سيتم الحد منه؟ ما هي ازمة الطاقة الجديدة؟ وما هي أسبابها؟

سعر النفط الخام

یشیر سعر النفط الخام الى القیمة النقدیة لبرمیل النفط الخام بالمقیاس الامریكي للبرمیل المكون من ٤٢ غالون معبرا عنه بالوحدة النقدیة الامریكیة ( الدولار ) ، لكن من المهم جداً معرفة أن النفط الخام يختلف عن السلع الأخرى التي تتأثر بالعرض والطلب فقط فهو يتأثر بمجموعة كبيرة من العوامل نشرح أهمها هنا بشيء من الأختصار:

1.  حجم الاحتياطي النفطي: 

عندما یزید الجیولوجیون من تقدیراتھم لحجم الاحتیاطي فأن هذا یدفع المنتجین الى اعادة النظر بكلفة المستخدم باتجاه تخفیضھا فینخفض سعر النفط الخام . اما اذا اقتنع المنتجون بأن الاحتیاطي اقل من السابق فأن اسعار النفط الخام سوف ترتفع الى ان تتغیر التوقعات مرة اخرى.

2. إنتاج النفط الصخري:

إن إنتاج النفط الصخري مهم جداً في توفير مصادر بديلة للطاقة ، وبالتالي يكون له تأثير كبير على أسعار النفط التقليدي.

3. معدل النمو الأقتصادي:

وهو أحد المحددات الأساسية لحجم الأستهلاك العالمي للنفط الخام ، مما يؤثر بشكل مباشر على سعر النفط الخام ، فالتوقع بارتفاع معدل النمو الاقتصادي یؤدي الى زیادة الطلب على النفط الخام مما یدفع بالسعر نحو الارتفاع . ویحدث العكس في حالة التوقع بانخفاض معدل النمو الاقتصادي الذي یدفع بمعدلات الطلب ومن ثم استھلاك النفط نحو الانخفاض مما یدفع بمسار اسعار النفط الخام نحو الانخفاض.

4. سعر صرف الدولار الأمريكي:

بما أن تسعير النفط الخام يكون بالدولار الأمريكي ، فلذلك من الطبيعي جداً أن يؤثر أي تغيير في سعر صرف الدولار الأمريكي على سعر النفط الخام على شكلين: أثر مباشر وأثر غير مباشر ، یتمثل الأثر المباشر أو قصیر الأجل لانخفاض الدولار في أسواق النفط في زیادة حدة المضاربات في عقود النفط ،الأمر الذي یسهم في ارتفاع أسعار النفط. ویتمثل الأثر غیر المباشر أو البعید الأجل، لانخفاض الدولار في أسواق النفط العالمیة في تغییر أساسیات السوق، عن طریق تأثیره في العرض والطلب على النفط. فمن نتائج انخفاض الدولار على المدى الطویل انخفاض الطاقة الإنتاجیة، أو عدم نموها بشكل یتناسب مع الزیادة في الأسعار بسبب انخفاض القوة الشرائیة للدول المصدرة، والتي لن تمكنها من توفیر الأموال اللازمة لزیادة الطاقة الإنتاجیة. هذا یعني انخفاض المعروض مقارنة بالطلب، وبالتالي ارتفاع أسعار النفط.

الأمر نفسه ینطبق على شركات النفط العالمیة التي تتسلم عوائدها بالدولار، ولكنها تدفع تكالیفها بعملات مختلفة. فشركات النفط في بحر الشمال مثلا تدفع أجور عمالها بالیورو في الوقت الذي تتسلم فیه عائداتها بالدولار. هذا یعني ارتفاع التكالیف مقارنة بالعائدات، الأمر الذي یمنعها من زیادة الاستثمار في طاقة إضافیة، رغم ارتفاع أسعار النفط. هذا أیضا یخفض المعروض، ویرفع أسعار النفط.

5. المضاربة في النفط:

وهي ظاهرة جديدة نسبياً في السوق النفطية حيث أصبح النفط أحدى السلع التي يتم المضاربة بها ، وتعتمد هذه المضاربات على التوقعات المستقبلية لأسعار النفط أو مستوى الطلب المستقبلي على النفط ، فعندما تشير التوقعات الى زيادة الطلب على النفط الخام يقوم المضاربون بشراء النفط مما يؤدي الى صعود سعره بشكل أسرع ، وعندما تنعكس التوقعات الى انخفاض الطلب على النفط يقوم هؤلاء المضاربون ببيع النفط بشكل سريع مما يؤدي الى انخفاض سعره.

6. المخزون النفطي العالمي:

إن ارتفاع مستوى المخزونات النفطية العالمية وأهمها المخزونات الأمريكية يؤدي بشكل كبير الى تخفيض سعر النفط الخام وبالعكس ، حيث أنه يعطي دلالة على ارتفاع العرض ، والعكس صحيح.

 

7. العوامل السياسية:

وهو من أهم العوامل المؤثرة على سعر النفط الخام ، حيث أن أي توتر سياسي سيؤدي الى قلق المستهلكين من تأثر امدادات النفط الخام ، وبما أن منطقة الشرق الأوسط تحتوي على حوالي 80% فان التوتر السياسي المستمر فيها يؤثر بشكل كبير على اسعار النفط.

8. التقلبات في المناخ:

بما أن النفط الخام والغاز الطبيعي هما من أهم مصادر الطاقة فأن أي تغييرات في درجات الحرارة من حيث ارتفاعها أو انخفاضها سيؤدي الى ارتفاع وانخفاض مستوى الطلب على الطاقة وبالتالي ارتفاع وانخفاض الطلب على النفط الخام مما يؤثر بشكل كبير على سعره.

بالأضافة الى عوامل اخرى مثل : الجمود النسبي في العرض أو الطلب على النفط الخام ، وسعر الخصم التي لا يسع المجال لشرحها هنا.

أزمة الطاقة الأخيرة :

أن وصول سعر النفط الى ما يقارب حاجز ال85 دولار اثناء كتابة هذا المقال يعكس مدى الأزمة وبالذات عدم توافق العرض مع الطلب العالمي المتزايد ، ولكن ما هي اسباب هذه الازمة؟ وقد يشكك البعض في هذه الأزمة ويسأل : هل هناك ازمة طاقة فعلاً؟

الجواب نعم هناك ازمة حقيقية يمكن استقراءها من تسارع الأحداث ، فقد قامت الصين بتعطيل بعض المصانع ذات الأستخدام العالي للطاقة كما تأثرت أكثر من 60% من مدن الصين بانقطاع الكهرباء في الفترة الأخيرة الماضية ، اضافة الى أن فواتير الكهرباء زادت في أمريكا وأوربا بشكل كبير ، اما في الهند (كونها احد أكبر مستوردي النفط) فقد ارتفعت اسعار البنزين والديزل الى اعلى مستوى في تاريخهما حيث وصل سعر لتر البنزين الى 1.5 دولار وسعر لتر الديزل 1.35 دولار ، بل أن تقريراً من موقع أويل برايس دوت كوم يتوقع أن تصل هذه الازمة الى الولايات المتحدة.

تتمثل أزمة الطاقة العالمية في ازدياد انقطاع الكهرباء، ونقص إمدادات الفحم، وارتفاع تاريخي في أسعار الكهرباء والفحم والغاز المسال ، وتشتد هذه الأزمة في الدول الكبرى المستهلكة للطاقة، التي اعتادت الحصول على الطاقة الرخيصة في الفترة من منتصف 2014 إلى نهاية 2020، وعلى رأس تلك الدول أميركا، وأوروبا، والصين، والهند، وبقية الدول المستوردة للطاقة، حيث ترتفع الأسعار، وتتراجع معدلات الإنتاج.

وقد كان الغاز أكثر تأثراً لأسباب عدة، أهمها زيادة الاعتماد عليه في السنوات الماضية بسبب انخفاض أسعاره من جهة، وبسبب انخفاض انبعاثاته من جهة أخرى. كما أنه كان أيضاً مصدر الطاقة البديل للطاقة المتجددة عندما تغيب الشمس، أو تتوقف الرياح. وهذا ايضاُ دليل على قصور الطاقة البديلة في الوفاء باحتياجات العالم من الطاقة مما يجعل الرهان على الطاقة البديلة غير مناسب في المستقبل القريب.


اقرأ ايضاً الإحتياطيات النفطية الأستراتيجية في العالم وأمن الطاقة

 


ما هي اسباب هذه الازمة؟

لا يوجد سبب واحد لهذه الأزمة بل مجموعة من العوامل التي تظافرت لتشكيل الازمة ويمكن اختصارها بالتالي:
1. أدى تدني الأسعار للفترة من (2015-2020) الى تراجع الأستثمارات في مجالي النفط والغاز.
2. الشتاء شديد البرودة في النصف الشمالي للكرة الأرضية ، اضافة الى توقعات بشتاء قاس في اوربا خلال شتاء 2022.
3. ان تراجع الأنتاج وانخفاض اسعار النفط ادى الى انخفاض معدلات الصيانة في المنشآت النفطية وذلك ادى الى تقليل العرض في الوقت الذي انتعش فيه الطلب على النفط.
4. انخفاض المخزونات الأستراتيجية عن مستوياتها الطبيعية ، ومنها نقص مخزونات الغاز الطبيعي في أوروبا في الفترة الماضية والذي بلغ 15% عما كانت عليه تلك المتوسطات في السنوات الخمس الماضية.
5. اهتمام الشركة الروسية للغاز بالعقود الطويلة الأجل، وعدم التفاتها إلى العقود القصيرة الأجل إلا في نطاق ضيق.
6. حالة الجفاف في العالم التي ادت إلى خفض منسوب المياه في السدود مما أثر في إنتاج الطاقة الكهرومائية مع عدم امكانية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عن التعويض مما زاد الطلب على الغاز الطبيعي بسبب تشغيل المحطات التي تعمل بالوقود الأحفوري.

فيما يوضح البروفيسور أنس الحجي قائلا (العالم الآن يدفع ثمن السياسات المناخية المتطرفة للدول الأوروبية وبعض الولايات الأميركية وتجاهلها أساسيات أمن الطاقة ومبالغات وكالة الطاقة الدولية والأمم المتحدة وحماة البيئة والشركات التي تستفيد من الإعانات الحكومية الضخمة للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ومبالغات وسائل الإعلام الموالية لهم، أو التي ابتلعت الطعم، وتركيز مؤتمرات الطاقة المختلفة، بما في ذلك التي عقدت في دول “أوبك”، على هذه المبالغات وإعطائها صدقية لا تستحقها).

ومن جهة أخرى يعزو خبراء آخرون اسباب هذه الأزمة الى التبعات الاقتصادية الواسعة لانتشار وتفشي جائحة كورونا، وعدم التخطيط لخفض الطلب على الطاقة، وأخيرا عدم الاستثمار في تنويع مصادر الطاقة.

مستقبل سعر النفط

في تصريح له خلال اسبوع الطاقة اكد الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) أن وصول اسعار النفط الى 100 دولار هو أمر محتمل جداً ، كما توقعت مؤسسة (جولدمان ساكس) للخدمات المالية والأستشارية وصول سعر النفط الى أكثر من 90 دولاراً نهاية العام الجاري بالتزامن مع تفاقم أزمة ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية بشكل جنوني، وتحوّل الأنظار إلى النفط ليحل بديلًا عن الغاز والفحم في توليد الكهرباء، في محاولة للتغلّب على ارتفاع الأسعار ، وحتى البنك الدولي بيّن أن من المتوقع ارتفاع أسعار الطاقة بداية 2022 مع توقعات بانخفاضها مرة ثانية في النصف الثاني من العام ذاته.

ارتفاع اسعار النفط له اسبابه ايضاً منها ما هو متعلق بازمة الطاقة الحالية فقد اصبح النفط بديلاً للغاز المسال في توليد الكهرباء في دول آسيوية عدة بعد الارتفاع التاريخي في أسعار الغاز المسال.

وفي ظل توقعات المناخ بشتاء قاس في نصف الكرة الأرضية الشمالي واستمرار مستوى العرض على وضعه الحالي بدون قيام أوبك بلس بزيادة الانتاج.

وفي ظل كل هذه المعطيات بوجود كل هذا الطلب على الطاقة وباحتمال تعرض اوروبا الى شتاء قاس وتبدد الآمال بحلول سريعة تقدمها الطاقة البديلة فأننا نتوقع أن يصل سعر البرميل الى حاجز 100 دولار مع بداية عام 2022 ولكن ما الذي سيحصل بعد ذلك وهل سيستمر هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار ، أم أن الولايات المتحدة وأوروبا ستكبح جماح أزمة الطاقة؟

نهاية الربع الأول من عام 2022 كفيلة بالرد على هذه التساؤلات .


رائد العبيدي – رئيس مهندسين بترول – مدير موقع AONG

خبرة طويلة من العمل في منشآت إنتاج ومعالجة النفط والغاز الطبيعي.له العديد من المقالات والدراسات حول الصناعة النفطية وخاصة ما يتعلق بالمنشآت السطحية.

متابع لشؤون اقتصاديات البترول.

عضو في جمعية مهندسي البترول SPE .

لديه العديد من المحاضرات المسموعة والمرئية على اليوتيوب.

له كتابان في مجال الأختصاص وهي (انتاج النفط والغاز الطبيعي/2021) و (المنشآت السطحية في الحقول النفطية/2024)

 


المصادر:

1. مقال أنواع أسعار النفط الخام – موقع النفط والغاز الطبيعي العربي.
2. أسباب ازمة الطاقة العالمية – البروفيسور انس الحجي.
3. أزمة الطاقة العالمية ما أسبابها وتداعياتها .. موقع الجزيرة نت.