World Strategic Petroleum Reserves and Energy Security

رائد العبيدي



المخزون النفطي الأمريكي

لفهم الموضوع بشكل أفضل يتوجب علينا أولا الأجابة على السؤال التالي ما هو المخزون النفطي الأمريكي؟

يعرف هذا المخزون أيضاً بـ (الأحتياطي البترولي الأستراتيجي Strategic Petroleum Reserve) : وهو عبارة عن خزانات تحت الأرض في ولايتي تكساس ولويزيانا بطاقة 714 مليون برميل تقريباً ، من المفترض ان يستخدم هذا الخزين في حالات الطوارئ والأزمات ، حيث يتم تخزين النفط في اربع كهوف ملحية تحت باطن الأرض قريبة من خليج المكسيك Gulf of Mexico GOM ، اثنان منها في ولاية تكساس وهي برايان ماوند Bryan Mound (الطاقة التخزينية 247.1 مليون برميل)و بيغ هيل Big Hill (بطاقة تخزينية 170 مليون برميل) والأثنان الأخران في ولاية لويزيانا وهما ويست هاكبيري West Hackberry (الطاقة التخزينية 220.4 مليون برميل) و بايو جوكتاو Bayou Choctaw (الطاقة التخزينية 76 مليون برميل) وتمتد هذه الخزانات على طول الشريط الساحلي للولايتين المذكورتين وتحظى بحراسة مشددة في حين تبلغ كلفتها أقل 10 مرات من الخزانات السطحية.

تم اختيار موقع هذه الخزانات بعناية لأنها تربط الشبكة الوطنية الأمريكية لأنابيب النفط وبمرونة عالية ، وهي مجهزة بثلاثة أنابيب رئيسية تصل الى المصافي الرئيسية والى مرافيء التصدير.
مواصفات هذه الخزانات: خزانات اسطوانية الشكل قطرها 200 قدم (حوالي 61 متر) وارتفاع 2500 قدم (حوالي 762 متر) تصل سعة كل خزان الى 37 مليون برميل.

إن أقصى قدرة سحب إجمالية من احتياطي البترول الاستراتيجي هي فقط 4.4 مليون برميل يوميًا ، أي أن الكمية الكلية يمكن سحبها خلال حوالي 162 يوم.

ما هي الخلفية التأريخية لهذا الخزين وما هي الأسباب التي أدت الى إنشاءه؟

أثناء الحرب العربية – الأسرائيلية سنة 1973 ، اتخذت الدول العربية المنتجة للنفط وبضمنها العراق والكويت وقطر والسعودية اضافة الى ايران قراراً بمنع تصدير النفط الى الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة لقيامها بدعم اسرائيل واستمر هذا الحظر من اكتوبر 1973 ولغاية مارس 1974 ، مما أدى الى صعود أسعار النفط بشكل غير مسبوق (من 3 دولارات للبرميل الواحد الى 12 دولار للبرميل الواحد اي 4 أضعاف) اضافة الى أزمة طاقة غير مسبوقة ، وأصبحت صور السيارات التي تقف في طوابير عند مضخات البنزين في الدول المتضررة صورا دائمة الانتشار عند تذكر هذه الأزمة.

ادت هذه الأزمة الى التفكير الجدي باجراءات كبيرة الغرض منها الحفاظ على أمن الطاقة ، ففي عام 1975 اتخذ الكونغرس الأمريكي تشريع ( قانون سياسة الطاقة والحفاظ عليها (EPCA) يلزم الحكومة الأمريكية إنشاء مواقع لتخزين كميات من النفط الخام كافية لتأمين الطلب عليه في حالة تعرض الامدادات لاي نوع من المخاطر الجدية.

وتقول وزارة الطاقة الأمريكية أن لديها حوالي 59 يومًا من الحماية من انقطاع الاستيراد بإستعمال المخزون الاحتياطي الاستراتيجي . وبعد جمع هذه المخزونات إلى جانب مخزون القطاع الخاص، يكون لدى الولايات المتحدة نفط يكفيها تقريبا 115 يومًا بلا إستيراد.

كيف يتم تخزين النفط في هذه الكهوف الملحية الجوفية؟

يتم نحت كهوف الملح من قباب ملحية تحت الأرض من خلال عملية تسمى “الاذابة بالمحلول الملحي”. بشكل أساسي تتضمن العملية حفر بئر في تكوين ملحي ، ثم حقن كميات هائلة من المياه العذبة ليذوب الماء الملح. وعند إنشاء كهوف الخزين الاستراتيجي الأمريكي ، تمت إزالة الملح المذاب كمحلول ملحي ومن إعادة حقنه في آبار للتخلص منه أو  يتم ضخه على بعد عدة أميال من الشاطئ في خليج المكسيك (وهو الأكثر شيوعاً) . ومن خلال التحكم الدقيق في عملية حقن المياه العذبة ، يمكن إنشاء كهوف ملحية ذات أبعاد دقيقة للغاية. علماً أن هذه العملية تحتاج سبعة براميل من الماء العذب لكل برميل من النفط الخام يتم تخزينه في كهوف احتياطي البترول الاستراتيجي.

اضافة الى كونها الطريقة الأقل تكلفة لتخزين النفط لفترات طويلة من الزمن ، فإن استخدام كهوف الملح العميقة هي طريقة صديقة للبيئة . لأن الصخور الملحية ذات مسامية ونفاذية منخفضة للغاية ، اضافة الى خصائص  الاستشفاء الذاتي ، لأن هذه الصخور هي التي ستغلق على الفور تقريبًا أي تشققات صغيرة في حالة ظهورها في جدران الكهوف الملحية.

بما أن الماء أثقل من النفط فهو يكون في الأعلى والماء في الأسفل  لذا فان الآلية الأساسية المستخدمة لنقل النفط داخل وخارج كهوف الخزين الأستراتيجي تتم من خلال ضخ المياه العذبة في قاع الكهف فيزيح الماء النفط الخام إلى السطح. وبعد سحب النفط من كهوف احتياطي البترول الاستراتيجي ، يرسل بواسطة خطوط الأنابيب إلى محطات ومصافي مختلفة في جميع أنحاء البلاد.

هل الولايات المتحدة هي الوحيدة في مجال الخزين الاستراتيجي للبترول؟

الجواب لا بالتأكيد ، فالصين مثلا باشرت ببناء احتياط نفطي استراتيجي قبل 10 سنوات كمشروع احترازي لإشباع عطشها للنفط ولنفس الأسباب التي دعت الولايات المتحدة لهذا الأمر ، ولكن الخزين الأستراتيجي الصيني يختلف عن مثيله الأمريكي ، فهو تحت غطاء السرية، ولا نقرأ بيانات منتظمة عن ازدياد المخزونات الصينية أو تراجعها كما تفعل إدارة معلومات الطاقة الأميركية التي تصدر نشرات وإحصائيات أسبوعية وشهرية. فمعهد البترول الأميركي يصدر تقارير أسبوعية عن مخزونات النفط الخام ومخزونات المنتوجات المكررة، ولا تصدر تقارير مشابهة في الصين لذلك تبقى كل الكميات المذكورة تخمينية.

وهذا يجعل المراقبين في حيرة ، لما يجدونه في صعوبة في قياس الأمدادات والمخزونات الصينية ، وهذه الضبابية الصينية مقصودة كونها تدخل ضمن أمن الطاقة الصيني ، وهناك تكهنات أن الحكومة الصينية تبحث في خلق مخزونات نفطية تجارية بالتوازي مع المخزونات الاستراتيجية.

والصين كما الولايات المتحدة تقوم بشراء النفط الرخيص وتستغل انخفاض اسعار النفط لتقوم بشراء كميات هائلة من النفط ، وتستخدم ناقلات عملاقة تصل طاقتها التخزينية الى 3 مليون برميل ، بل أن بعض المراقبين كالخبير النفطي (أنس الحجي) يرون أن الصين تسعى لبناء خزين استراتيجي يكفيها لسنة كاملة ، ولكن هناك مخاوف من أن الصين ستقوم ببيع جزء من هذا الخزين في حال صعود أسعار النفط الى 75 – 80 دولار كما حصل في 2018 مما يجعلها من أهم اللاعبين في سوق الطاقة ، كل ما يمكن قوله هي تقديرات البنوك الأمريكية بأن الصين تستهدف تخزين ما لا يقل عن 511 مليون برميل.

وهناك دول أخرى لديها مخزونات نفطية كبيرة فاليابان تحتل المركز الثالث بالنسبة للمخزون الأستراتيجي حيث يقدر مخزونها النفطي ب 324 مليون برميل ، وبعدها بالمركز الرابع كوريا الجنوبية التي لديها مخزون 146 مليون برميل ، في حين تقف أسبانيا في المركز الخامس بمخزون يصل الى 120 مليون برميل. أما الهند فتأتي في المركز السادس بمخزون استراتيجي يقدّر بـ 39.1 مليون برميل وهي تخطط لإضافة المزيد من النفط الى هذا الخزين.

ما هو مصطلح (امن الطاقة) Energy Security ؟

هو الأرتباط الوثيق بين الأمن القومي للبلد وتوافر موارد الطاقة وقد أدى الطلب المتزايد للطاقة من قبل الدول الصناعية الى ظهور هذا المفهوم فقد تعرضت موارد النفط الأجنبية للتقلبات غير الطبيعية الناتجة عن الصراع بين الدول، أو مصالح المصدّرين،  كما يمكن أيضًا لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الناتج عن الحرب أو عوامل أخرى كالإضرابات أن يمنع مجال الطاقة من العمل بالشكل الصحيح في الدولة المصدرة.

ركزت الإجراءات طويلة الأمد لزيادة أمن الطاقة على تخفيف الاعتماد على مصدر وحيد للطاقة المستوردة، وزيادة عدد الموردين، واستغلال الوقود الأحفوري المحلي أو مصادر الطاقات المتجددة، وتخفيض الطلب الكلي عبر إجراءات حفظ الطاقة. يمكن أيضًا أن تتضمن الإجراءات الدخول في اتفاقيات دولية لتعزيز علاقات تجارة الطاقة بين الدول، كمعاهدة ميثاق الطاقة في أوروبا. سيساعد كل الاهتمام بالأخطار الأمنية التي تواجه الإجراءات طويلة الأمد لأمن مصادر النفط على تقليل التكاليف المستقبلية لاستيراد وتصدير الوقود من الدول وإليها دون داعٍ للقلق بشأن الأذى الذي يمكن أن يلحق بالبضائع المنقولة.

الخلاصة :

في عام 1973 رفع العرب شعار (النفط سلاح في المعركة) واستخدموه بالفعل مما أدى الى تهديد أمن الطاقة للدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ، ولكن تعميم مصطلح أمن الطاقة ادى الى اتخاذ الدول الكبرى اجراءات عملية كبيرة للحد من استغلال الدول النفطية لهذا السلاح ومنها ما ذكرناه اعلاه من المخزونات النفطية الأمريكية والصينية وغيرها.

أن الدول العربية المنتجة للنفط ليست بحاجة الى أمن الطاقة الى حد ما ، فهي تستهلك ربع أو خمس ما تنتج من البترول ، لذلك فهي غير معنية ب(أمن الطاقة) ولكنها في نفس الوقت تتأثر بالتأكيد بما يحصل في السوق النفطية كون أغلبها ذات اقتصاد ريعي يعتمد على بيع النفط بنسبة كبيرة جداً ، ومن المعروف أن أسعار النفط تتأثر بشكل كبير بالمخزون الأستراتيجي الأمريكي مما يجعل هذه الدول أمام تحد صعب.

أن الهدف من كل هذه الاحتياطيات كما هو واضح هو ضمان أمن الطاقة وعدم التأثر بتقلبات السوق أو توقف أمدادات النفط اليها ، لذا على الدول العربية المنتجة للنفط أن تنتهج سياسة نفطية متوازنة وموحدة للحفاظ على أسعار النفط للحد من استغلال هذه الأحتياطيات في خفض أسعار النفط ، اما الدول العربية غير المنتجة فهي بحاجة الى بناء خزين استراتيجي من المشتقات النفطية اسوة بما فعلته الاردن وبهذا تكون أنتهجت التفكير العقلاني الواقعي لأن زمن (استخدام النفط كسلاح) قد انتهى وبدأ زمن استخدام الاقتصاد واسلحته ، ولأن الطاقة اصبحت سلاحاً ذي حدين ، وقد يكون له أنياب ، وأنياب قاتلة ..


رائد العبيدي – رئيس مهندسين بترول – مدير موقع AONG

خبرة طويلة من العمل في منشآت إنتاج ومعالجة النفط والغاز الطبيعي.له العديد من المقالات والدراسات حول الصناعة النفطية وخاصة ما يتعلق بالمنشآت السطحية.

متابع لشؤون اقتصاديات البترول.

عضو في جمعية مهندسي البترول SPE .

لديه العديد من المحاضرات المسموعة والمرئية على اليوتيوب.

له كتابان في مجال الأختصاص وهي (انتاج النفط والغاز الطبيعي/2021) و (المنشآت السطحية في الحقول النفطية/2024)


المصادر:

1. وكالة الطاقة الأمريكية – الموقع الرسمي.
2. أين تخبئ أمريكا مخزونها الاستراتيجي من النفط وما قصته؟ – موقع (عربي21)
3. موقع ويكي بيديا – احتياطي البترول الأستراتيجي للولايات المتحدة.
4. موقع ايلاف – الصين تخزن النفط.