الدورة الأقتصادية لسوق النفط العالمي – الجزء الأول
أحمد صباح – باحث في شؤون الطاقة
يخضع سوق النفط العالمي لدورات من الأرتفاع يليها أنخفاض الأسعار نتيجة العرض و الطلب اضافة لتقدم أو تغير المستوى التكنلوجي و حركة الأقتصاد العالمي الذي يشهد دورات مماثله، فتحصل نتيجة لذلك قفزات في الأسعار أحيانا أو أنهيار في أحيان أخرى بينما قد تبقى الأسعار على حالها لعقود طويله رغم وجود نسبة تضخم عالمي ترفع أسعار جميع المواد و الخامات و أن بنسبة قليله، أستعرض هنا بشكل مختصر و مبسط أهم المحطات في تاريخ النفط الحديث و أبرز الحقب و الفترات مع الأسباب التي أدت لها و النتائج التي ترتبت عليها:
ركود الحرب العالمية
بقيت أسعار النفط ثابته تقريبا منذ مطلع سنة 1939 و لغاية نهاية الحرب العالميه الثانيه في نهاية 1945 تتراوح بحدود دولار واحد للبرميل و ذلك نتيجة ركود الطلب مع التحول لأقتصاد الحرب و فرض التقشف و منع الأمدادت النفطيه عن دول المحور (ألمانيا و اليابان و أيطاليا) مما أضطر هذه الدول للحصول على كميات محدوده من النفط من رومانيا بالنسبه لألمانيا و من ماليزيا بالنسبه لليابان و لكنها كميات قليله مما أضطر هذه الدول لمعالجة الفحم لأستخراج الوقود السائل المصنع منه و هو أمر مكلف و يصرف طاقه و يحتاج بنى تحتيه عملاقه. يرجع بعض المؤرخين أحد أسباب خسارة دول المحور لتلك الحرب هو أفتقارها للنفط في لحظات مفصليه هامه، على الجانب الأخر كانت دول الحلفاء تسيطر على أهم منابع النفط و حقوله فأمريكا لديها حقول تكساس و بنسلفانيا العملاقه، أما الأتحاد السوفيتي فلديه حقول القوقاز الكبيره فيما تسيطر بريطانيا على حقول الشرق الأوسط الغزيره و منخفضة كلفة الأستخراج، فقد عمد الحلفاء لضمان النصر تثبيت أسعار المواد الخام و أبرزها النفط طيلة فترة الحرب.
التعافي بعد الحرب
شهد عامي 1946-1947 قفزه نفطيه نتيجة جهود أعادة الأعمار بعد الحرب و الأنتقال من أقتصاد الحرب لأقتصاد السوق و أنهاء حالة تقنين الأنفاق فقد وصلت أسعار النفط ل2.56 دولار للبرميل مطلع عام 1948 فيما بدأت بلدان النفط الرخيص في الشرق الأوسط تتذمر من قلة العائدات وسط موجه تحرريه وطنيه، حيث تصاعد الموقف في أيران سنة 1951 لتشهد صعود حكومة محمد مصدق مدعوما باليساريه الوطنيه ليؤمم النفط في أيران ليقاطع الغرب شراء النفط الأيراني مع انخفاض قدرة الأخيره على التصدير بسبب مغادرة الكفاءات الفنيه البريطانيه، لذا و خوفا من تكرار هذه الحادثه التي لا يمكن لأسواق النفط تحمل المزيد منها اضطر الأمريكان لتوقيع أتفاقية تقاسم العوائد مع المملكه العربيه السعوديه، و قد خطت شركة نفط العراق على نفس النهج حين وقعت أتفاقية تقاسم الأرباح مع الحكومه العراقيه مطلع 1952، أجهضت حكومة مصدق بعد ألحاقها الضرر بالأقتصاد الأيراني و تخريبها لقطاعها النفطي الذي أستغرق سنوات ليعود لنفس مستويات تصديره قبل تلك الأحداث فيما برزت الكويت كبديل عن أيران كمنتج غزير بتكاليف رخيصه و مضمون و قادر على تلبية الطلب أو سد النقص عند أي أزمه نفطية.
هدوء الخمسينات و الستينات
شهدت الفتره من عام 1948 و لغاية 1973 هدوء في أسواق النفط لمدة ربع قرن تقريبا فقد تراوحت الأسعار بحدود 3 دولارات للبرميل و هذا توافق مع زيادة تلبية الطلب على النفط بشكل مستقر و متوازن، فقد تعززت الشراكه بين شركات النفط الأجنبيه و مثيلاتها الوطنيه الناشئه في الدول النفطيه فيما بلغ أنتاج الحقول الأمريكيه ذروته.
قفزة السبعينات النفطية
تغير العالم في السبعينات فيما يبدو أن جيلا جديدا يدخل سوق العمل متزامنا مع معدلات تنميه أقتصاديه متسارعه للبلدان التي أستقلت حديثا، كل هذا جاء في وقت بدأت فيه الحقول الأمريكيه تستنزف و بالتالي يهبط أنتاجها، لذا فقد قفزت أسعار النفط من 3.56 دولار للبرميل منتصف سنة 1973 لتصل 10.11 بعدها بست أشهر أي تضاعفت الأسعار ثلاث مرات حيث ترافق ذلك مع قطع تصدير النفط العربي عن أمريكا لعدة أشهر نتيجة لمساندتها أسرائيل بأمدادات عسكريه هائله في حرب تشرين 1973 مما تسبب في أزمة وقود خانقه في الولايات المتحده.
الدول النفطيه أصبحت سيدة قرارها حيث بدأت شركاتها الوطنيه تسيطر على أغلب الفعاليات وأنتهت أتفاقيات مشاركة العوائد مما جعل ثروات هائله بين يديها، و هذا جعلها قادره على تحريك السوق النفطيه وفق قناعاتها، فبدأت دول منظمة أوبك سياسة تقنين الأنتاج للوصول لسعر عادل حسب تصور أعضائها مما جعل سعر البرميل يستمر بالصعود وصولا ل15 دولار نهاية عام 1978، و هنا حصل زلزال سياسي غير مسبوق فقد سقط نظام الشاه في أيران نتيجة أشهر من الأحتجاجات الشعبيه لتصل حكومة ثوريه راديكاليه للسلطه مما جعل قطاع النفط الأيراني ينهار تماما بسبب الفوضى و عمليات التطهير و غياب التعاون مع الشركات العالميه حيث أنهار أنتاج أيران من قرابة 5.5 مليون برميل يوميا ليصل لمليون برميل، و أذا علمنا أن أستهلاك العالم النفطي أنذاك يتراوح بين 55-58 مليون برميل نفط يوميا سندرك أن أختفاء 4 مليون برميل يوميا أو ما يعادل 7% من الأنتاج العالمي فجأه و بدون وجود ما يعوضها كان له تأثير الصدمه على أسعار النفط التي حلقت لتصل ل40 دولارا للبرميل، و فيما بدأت أيران ترفع أنتاجها لمليوني برميل سنة 1981 أنهار الأنتاج العراقي من 3.2 مليون برميل قبيل الحرب مع أيران ليصل ل1.5 مليون برميل بسبب أغلاق منافذ التصدير الجنوبيه على الخليج العربي منذ الأيام الأولى للحرب فيما جعل أغلاق الخط العراقي السوري عام 1982 أنتاج العراق ينخفض ل700 ألف برميل يوميا، و هذا أبقى الأسعار مرتفعه بحدود 35 دولارا للبرميل في النصف الأول من الثمانينات، لذا أجمالا تعتبر هذه ال12.5 سنه من أكبر فترات الأرتفاع لأسعار النفط مقارنة بقيمة الدولار أنذاك.
أحمد صباح عبدالله
رئيس مهندسين-أستشاري أنشائي / شركة نفط البصرة
ماجستير هندسه مدنيه ٢٠٠٦
باحث في شؤون الطاقه