مرت أسعار النفط بعدد من المحطات التي أدت إلى تأرجحھا عبر تاریخ النفط الذي یمتد لأكثر من ١٣٨ عاما فقد تراوحت أسعار النفط الخام خلال الفترة من عام ١٩٤٨ وحتى نھایة الستینات بین ٢.٥٠ و ٣ دولارات للبرمیل. ثم ارتفع سعر النفط من ٢.٥٠ عام ١٩٤٨ إلى حوالي ٣ دولارات عام ١٩٥٧ واستقرت عند ھذا السعر تقریبا حتى عام ١٩٧٠ .
بعد ذلك قررت الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط ( الأوبك ) أن ترفع السعر العالمي للنفط لزیادة دخولھا. وقامت ھذه الدول بإنجاز ھذا الھدف بالتخفیض الجماعي لكمیات النفط التي تضخھا. لقد حدثت تطورات ھامة في الصناعة النفطیة منذ عام ١٩٧٠ ، وتجلت في ظھور بوادر اختلال بین المعروض من النفط في الأسواق العالمیة والمطلوب من قبل مستھلكیھ، ساعدت الأقطار المصدرة للنفط على المطالبة بزیادة في الأسعار المعلنة وزیادة الحصة الضریبیة، وقد أدت ھذه التطورات إلى أن یتقرر سعر النفط الخام في السوق العالمیة من قبل منظمة الأوبك بدلا من تقریرھا من قبل الشركات النفطیة الكبرى .
ولقد سجلت اتفاقیة طھران في 14 / 2 / 1970 حدثاً بارزاً في تأريخ الصناعة النفطية حينما فرضت الأوبك على شركات النفط الكبرى الاعتراف بھا كمنظمة وقبولھا لمبدأ التفاوض مع أقطار الأوبك من أجل إعادة النظر في الأسعار المعلنة لنفوطھا الخام، وذلك نتیجة لعوامل عدیدة، منھا التضخم المستورد، وھبوط سعر صرف الدولار، ولقد تم الاتفاق في طھران على زیادة الأسعار المعلنة للنفط الخام، وأصبح للأوبك منذ ذلك التاریخ دور مباشر مع الشركات في عملیة تحدید ھذه الأسعار بعد أن احتكرتھا الأخیرة لعقود عدیدة من الزمن ١٩٧٣ اجتمعت أقطار الخلیج العربي /٦/ نتیجة لظروف حرب تشرین عام ١٩٧٣ ، وفي ١٦ الستة الأعضاء في الأوبك في الكویت ، وأصدرت قرارھا التاریخي بزیادة أسعار نفوط الأوبك الخام من جانب واحد، وبذلك القرار أنھى وإلى الأبد، التحكم المطلق للشركات العالمیة للنفط في عملیة تسعیر النفط الخام لأقطار الأوبك، وتضمن مؤتمر الكویت تخفیض إنتاج النفط ، فضلا عن قرار آخر تضمن قطع إمدادات النفط العربي بصورة كلیة عن بعض الدول الغربیة “الولایات المتحدة الأمریكیة، ھولندا، البرتغال” بسبب مواقفھا المعادیة للقضیة العربیة. ونظرا لاستمرار الحظر النفطي العربي، فقد حدث عجز واضح في المعروض النفطي بالسوق النفطیة، قابلھ تزاید في الطلب العالمي عليه ( نتیجة لظروف الحرب ) ونتیجة فعالیة قانون العرض والطلب أدى ذلك الموقف غیر المتوازن بالتالي إلى تأثر الأسعار المعلنة للنفط الخام،حیث بلغ سعر النفط الخام حوالي( ١٠.٤ ) دولارات للبرمیل عام ١٩٧٤ ، وفي شھر تموز ١٩٧٧ عقد مؤتمر استوكھولم تضمن زیادة في سعر برمیل الخام إلى ( ١٢.٦ ) دولارا للبرمیل، وتوالت القرارات النابعة من السیادة الوطنیة التي استردتھا الدول النفطیة تحت مظلة الانتصار في حرب تشرین التحریریة، وارتفع سعر النفط الخام عام ١٩٧٩ إلى ( ٢٩ ) دولارا للبرمیل وفي عام ١٩٨٠ وصل إلى ( ٣٦ ) دولارا للبرمیل .
دخلت أسعار النفط مجالا جدیدا بعد بروز أحداث في منطقة الشرق الأوسط حیث تقع معظم مكامن النفط ، فقد أفضت الثورة الإیرانیة والحرب العراقیة الإیرانیة مجتمعتین إلى زیادة أسعار النفط الخام لأكثر من الضعف من ١٤ دولارا للبرمیل في عام ١٩٧٨ إلى أكثر من ٣٥ دولارا للبرمیل عام ١٩٨١ .بعد ذلك منیت أسعار النفط بانخفاض خلال الفترة من ١٩٨٣ وحاولت الأوبك وضع حصص إنتاج منخفضة إلى مستوى تستقر عنده الأسعار. لكن ھذه المحاولات لم تفلح بسبب أن معظم أعضاء المنظمة كانوا ینتجون كمیات أعلى من حصصھم، بید أن الأسعار انھارت في متصف عام ١٩٨٦ إلى أقل من ١٠ دولارات للبرمیل ما دفع الأوبك إلى الاتفاق على ھدف سعر ١٨ دولارا للبرمیل غیر أن الأسعار استمرت ضعیفة.
ارتفعت الأسعار في عام ١٩٩٠ بسبب الإنتاج المنخفض والمخاوف التي ارتبطت بغزو العراق للكویت وانطلاق حرب الخلیج . بعده دخلت أسعار النفط في فترة انخفاض دائم، حتى عام ١٩٩٤ حیث وصلت إلى أدنى مستوى لھا منذ عام ١٩٧٣ . نجحت الأوبك في ضبط الحصص واستعادت الأسعار عافیتھا عام ١٩٩٦ ، إلا أن ھذا التعافي لم یدم طویلا حیث انتھت زیادة الأسعار نھایة سریعة في أواخر عام ١٩٩٧ وعام ١٩٩٨ ، نتیجة إلى تجاھل تأثیر الأزمة الاقتصادیة في آسیا وتحركت الأوبك وخفضت إنتاجھا بمقدار ٣ ملایین برمیل في عام ١٩٩٩ لتصعد الأسعار إلى ٢٥ دولارا للبرمیل، ساعدت المشاكل الفنیة بدایة عام ٢٠٠٠ في صعود أسعار النفط إلى مستوى ٣٠ دولارا . وغذت الاضطرابات والمشاكل الفنیة مسار النفط الصاعد ابتداء من عام ٢٠٠١ ا لتي شهدت ارتفاعا مطردا في أسعار النفط نتیجة تحسین الطلب على النفط بسبب الرواج الاقتصادي الذي شهدته دول جنوب شرق آسیا وخروج دول الاتحاد السوفیتي السابق من أزمتها ، والتزام دول اوبك بحصتها وتخفیض الإنتاج ، اذ بلغ سعر النفط ٥٠ دولارا عام ٢٠٠٤ . وفي عام ٢٠٠٥ م قفزت أسعار النفط بسبب الأعاصیر والعوامل الجیوسیاسیة إلى مستوى ٧٨ دولارا للبرمیل . أدى ضعف الدولار الأمریكي، والنمو السریع للاقتصادات الآسیویة واستھلاكھا للنفط والعوامل المناخیة والجیوسیاسیة والقلاقل الأمنیة في نیجیریا وفنزویلا والعراق خلال ھذا العام إلى وصول أسعار النفط إلى مستویات قیاسیة لامست ٩٠ دولارا للبرمیل لخام نامیكس.
اقرأ أيضاً أنواع أسعار النفط
على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط یعد مؤشرا إیجابیا بالنسبة للدول المنتجة للنفط إلا أن انخفاض سعر الدولار أمام العملات العالمیة اسھم في تآكل مدخولات الدول النفطیة من بیع البترول التي تسعره بالدولار فلو أخذنا في الاعتبار عامل التضخم وتدھور سعر صرف الدولار بین عام ١٩٨٦ حتى الیوم لاتضح أنھ فقد حوالي ٦٥ % ضد الین الیاباني و ٦٠ % ضد الجنیه الإسترلیني و ٣٥ % ضد الیورو، ولذلك فإن القیمة الحقیقیة لأسعار النفط التي بلغت عام ٢٠٠٩ نحو ٨٩.٨٠ دولارا ھو حوالي ٤٣ دولارا للبرمیل تقریبا في ظل عامل التضخم.غیر أنه من المستبعد أن تتحول الدول النفطیة إلى تسعیر نفطھا بغیر الدولار نظرا إلى أن حجم التداول بالدولار الأمیركي یصل نحو ثلاثة تریلیونات دولار. كما أن أكثر من ٥٠ % من صادرات العالم یتم دفعھا بالدولار الأمیركي وثلث احتیاطات النقد الأجنبي في العالم یتم وضعھا بالدولار ، وأن أكثر من ٨٠ % من مبادلات أسعار الصرف الأجنبي في العالم تتم من خلال الدولار الأمیركي ، كما أن أسعار الطاقة والنفط یتم تسعیرھا بالدولار الأمیركي منذ أمد بعید وبالتالي
من الصعب الاتفاق على عملة اخرى .
ویؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى أثار مهمة على أسو اق النفط والدول المنتجة والمصدرة، ففي حال ارتفاع الأسعار سوف تزداد الاستثمارات النفطیة، كذلك تشكل العائدات النفطیة إضافة للدخل للدول المنتجة ویدعم ما تقوم به الدولة من تطویر البنى الأساسیة وتنفیذ المزید من مشروعات التنمیة مما ینعكس ایجابیا على اقتصاداتها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان ارتفاع السعر سوف یخفض مستوى النمو الاقتصادي العالمي كذلك یؤ دي إلى زیادة المخاوف حول ندرة النفط ومخاوف أمن الطاقة في الدول التي تعتمد كثیر على استیراد النفط ویزید من أعباء الفاتورة النفطیة وخاصة لدى الدول الفقیرة، یو سب بّ ضغوطا تضخ مّیة. اما في حال انخفاض أسعار النفط فانه سینعكس سلبا على اقتصادات الدول المنتجة وتقلل الاستثمارات المطلوبة في القطّاع النفطي، لكنه في الوقت نفسه سیزید من استهلاك النفط وینعش الاقتصاد العالمي .
المصادر:
– أقتصاد النفط – نبيل جعفر عبدالرضا.
– مستقبل الطلب على النفط.